تفسير سورة الأنعام الأية (21 - 30 )

{21} {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} .

أي: لا أعظم ظلما وعنادا، ممن كان فيه أحد الوصفين، فكيف لو اجتمعا، افتراء الكذب على الله، أو التكذيب بآياته، التي جاءت بها المرسلون، فإن هذا أظلم الناس، والظالم لا يفلح أبدا.

ويدخل في هذا، كل من كذب على الله، بادعاء  الشريك له والعوين، أو [زعم] أنه ينبغي أن يعبد غيره أو اتخذ له صاحبة أو ولدا، وكل من رد الحق الذي جاءت به الرسل أو مَنْ قام مقامهم. 

{22 - 24} {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ * ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ * انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} .

يخبر تعالى عن مآل أهل الشرك يوم القيامة، وأنهم يسألون ويوبخون فيقال لهم {أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} أي إن الله ليس له شريك، وإنما ذلك على وجه الزعم منهم والافتراء. {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ} أي: لم يكن جوابهم حين يفتنون ويختبرون بذلك السؤال إلا إنكارهم لشركهم وحلفهم أنهم ما كانوا مشركين. {انْظُرْ} متعجبا منهم ومن أحوالهم {كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} أي: كذبوا كذبا عاد بالخسار على أنفسهم وضرهم -والله- غاية الضرر {وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} من الشركاء الذين زعموهم مع الله، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. 

{25} {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ} .

أي: ومن هؤلاء المشركين، قوم يحملهم بعضَ الأوقات، بعضُ الدواعي إلى الاستماع لما تقول، ولكنه استماع خال من قصد الحق واتباعه، ولهذا لا ينتفعون بذلك الاستماع، لعدم [ص:254] إرادتهم للخير {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً} أي: أغطية وأغشية، لئلا يفقهوا كلام الله، فصان كلامه عن أمثال هؤلاء. {وَفِي آذَانِهِمْ} جعلنا {وَقْرًا} أي: صمما، فلا يستمعون ما ينفعهم.

{وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا} وهذا غاية الظلم والعناد، أن الآيات البينات الدالة على الحق، لا ينقادون لها، ولا يصدقون بها، بل يجادلون بالباطل الحقَّ ليدحضوه.
ولهذا قال: {حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ} أي: مأخوذ من صحف الأولين المسطورة، التي ليست عن الله، ولاعن رسله. وهذا من كفرهم، وإلا فكيف يكون هذا الكتاب الحاوي لأنباء السابقين واللاحقين، والحقائق التي جاءت بها الأنبياء والمرسلون، والحق، والقسط، والعدل التام من كل وجه، أساطيرَ الأولين؟. 

{26} {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} .

وهم: أي المشركون بالله، المكذبون لرسوله، يجمعون بين الضلال والإضلال، ينهون الناس عن اتباع الحق، ويحذرونهم منه، ويبعدون بأنفسهم عنه، ولن يضروا الله ولا عباده المؤمنين، بفعلهم هذا، شيئا. {وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} بذلك. 

{27 } {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ *} .

يقول تعالى -مخبرا عن حال المشركين يوم القيامة، وإحضارهم النارَ: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ} ليوبخوا ويقرعوا، لرأيت أمرا هائلا وحالا مفظعة. ولرأيتهم كيف أقروا على أنفسهم بالكفر والفسوق، وتمنوا أن لو يردون إلى الدنيا. {فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ} فإنهم كانوا يخفون في أنفسهم، أنهم كانوا كاذبين، ويَبدو في قلوبهم في كثير من الأوقات. ولكن الأغراض الفاسدة، صدتهم عن ذلك، وصرفت قلوبهم عن الخير، وهم كذبة في هذه الأمنية، وإنما قصدهم، أن يدفعوا بها عن أنفسهم العذاب.

{28 - 29}{بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ} .

{وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * وَقَالُوا} منكرين للبعث {إِنْ هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا} أي ما حقيقة الحال والأمر وما المقصود من إيجادنا إلا الحياة الدنيا وحدها {وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ} . 

{30} {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} .

أي: {وَلَوْ تَرَى} الكافرين {إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ} لرأيت أمرا عظيما، وهَوْلا جسيما، {قَالَ} لهم موبخا ومقرعا: {أَلَيْسَ هَذَا} الذي ترون من العذاب {بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا} فأقروا، واعترفوا حيث لا ينفعهم ذلك، {قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ}.
تفسير سورة الأنعام الأية (21 - 30 ) تفسير سورة الأنعام الأية (21 - 30 ) Reviewed by daasyacin on 5:23 ص Rating: 5
يتم التشغيل بواسطة Blogger.